ترحيل أبريغو غارسيا- صراع بين سلطة ترامب وأبو كيلة والقانون

في ربيع عام 2025، اتخذت إدارة الولايات المتحدة إجراءً قاسياً بترحيل كيلمار أبريغو غارسيا، وهو مواطن سلفادوري يبلغ من العمر 29 عامًا، إلى وطنه الأم السلفادور. قضى أبريغو غارسيا ما يقارب نصف حياته في الولايات المتحدة، حيث عمل وازدهر. لم يكن يدرك أن مصيره سيقوده ليصبح رمزًا لحملة الترحيل الجماعي التي أطلقها الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، والتي أثارت جدلاً واسعاً.
في منعطف مأساوي للأحداث، تم اعتقال أبريغو غارسيا، المتزوج من المواطنة الأميركية جينيفر فاسكيز سورا، بينما كان يقود سيارته في ولاية ماريلاند بصحبة ابنهما البالغ من العمر خمس سنوات، والذي يعاني من مرض التوحد. شهد الطفل الصغير اعتقال والده على يد السلطات الأميركية، مما خلف لديه جرحاً نفسياً عميقاً.
في شهادة خطية قدمتها جينيفر فاسكيز سورا لاحقاً، كشفت أن ابنها، العاجز عن الكلام، أظهر "اضطراباً شديداً" بسبب "الاختفاء المفاجئ لوالده". وأوضحت الأم المكلومة أن طفلها كان يبكي أكثر من المعتاد، و"يبحث عن ملابس عمل كيلمار ويشمها بشوق، ليستنشق رائحة والده التي تبعث فيه الطمأنينة".
من المؤسف أن تمزيق الروابط الأسرية وزرع الرعب في قلوب الأطفال قد أصبح جزءاً لا يتجزأ من السياسات المتبعة في "أرض الأحرار"، على الرغم من أن الرئيس ترامب قد جعلها أكثر وضوحاً وإثارة للجدل مقارنة بسلفيه الديمقراطيين، جو بايدن وباراك أوباما. ومع ذلك، لا يمكن مقارنة أي شيء بزرع بذور الخوف والصدمة النفسية تحت ستار الأمن القومي.
تم ترحيل أبريغو غارسيا قسراً إلى السلفادور برفقة أكثر من 200 شخص آخر، ليشاركوا جميعاً في "شرف" أن يكونوا بمثابة فئران تجارب في سياسات إدارة ترامب القمعية في مجال مكافحة الهجرة.
فور وصولهم، تم احتجاز المرحّلين بشكل سريع في مركز احتجاز الإرهاب (CECOT)، وهو السجن الضخم الذي اشتهر ببنائه من قبل نجيب أبو كيلة، الذي يصف نفسه بـ "أروع دكتاتور في العالم". يضم هذا المرفق الآلاف الذين تم اعتقالهم بموجب "حالة الطوارئ" الوطنية التي أعلنت في عام 2022، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن.
تحت ستار مكافحة العصابات، قام أبو كيلة بسجن أكثر من 85 ألف سلفادوري، أي ما يزيد عن 1٪ من سكان البلاد، في مجموعة من السجون التي غالباً ما تكون بمثابة ثقوب سوداء يختفي فيها البشر إلى أجل غير مسمى، مع غياب أي مفهوم للحقوق الإنسانية والقانونية. والآن، بعد أن عززت الأموال الأميركية والمرحلون مكانة السلفادور الدولية في مجال السجون إلى جانب صورة أبو كيلة كرجل قوي، لا يوجد أي حافز لإنهاء "حالة الطوارئ".
في هذه الأثناء، قدمت قضية أبريغو غارسيا على وجه الخصوص فرصة ثمينة لكل من ترامب وأبو كيلة لعرض شغفهما المشترك وازدرائهما للقانون. وكما اتضح، فإن ترحيل أبريغو غارسيا إلى السلفادور جاء في انتهاك صارخ لحكم صادر عن قاضي هجرة أميركي في عام 2019، والذي بموجبه لا يمكن ترحيله إلى بلده الأصلي بسبب المخاطر التي قد تهدد حياته.
في الواقع، فر أبريغو غارسيا إلى الولايات المتحدة وهو لا يزال مراهقاً، خوفاً على حياته بعد تلقي عائلته تهديدات من العصابات. وعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية اضطرت للاعتراف بأن ترحيله في مارس/ آذار حدث "بسبب خطأ إداري"، فإن فريق ترامب- أبو كيلة لا يزال مصراً على عدم تصحيح هذا الخطأ.
فإن تصحيح هذا الخطأ سيشكل سابقة خطيرة تشير إلى أن إمكانية اللجوء إلى العدالة لا تزال قائمة، وأن طالبي اللجوء في الولايات المتحدة يجب ألا يعيشوا في حالة رعب دائم من إمكانية اختفائهم فجأة إلى السلفادور بسبب "خطأ إداري".
وفقاً لمقال حديث نشر في صحيفة نيويورك تايمز، والذي كشف تفاصيل النقاش الذي دار داخل إدارة ترامب حول كيفية التعامل مع الجانب الإعلامي من خطأ أبريغو غارسيا قبل أن يصبح علنياً، ناقش مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي الأميركية (DHS) "محاولة تصوير السيد أبريغو غارسيا كـ "قائد" لعصابة الشوارع العنيفة MS-13، على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من العثور على أي دليل يدعم هذا الادعاء".
لكن غياب الأدلة لم يمنع أولئك الذين لا يعبأون بالحقائق والواقع في المقام الأول، حيث أصر مسؤولو ترامب على انتماء أبريغو غارسيا إلى MS-13، بينما استشهد الرئيس نفسه بصورة معدلة للوشوم على مفاصل الرجل.
كما اعتمدت الإدارة بشكل كبير على حقيقة أنه في عام 2019، قررت شرطة مقاطعة برينس جورج في ماريلاند أن أبريغو غارسيا كان عضواً في عصابة لأنه كان يرتدي قبعة شيكاغو بولز، من بين سلوكيات أخرى "مدانة جداً".
إن التكرار المثير للريبة الذي تستشهد به وكالات إنفاذ القانون الأميركية ببضائع شيكاغو بولز كدليل مزعوم على عضوية العصابات سيكون مدعاة للسخرية نظراً للقاعدة الجماهيرية الهائلة للفريق في الداخل والخارج، لولا أن هذه التوجهات الحمقاء في التنميط تؤدي مباشرة إلى معاناة أبريغو غارسيا وغيره الكثيرين.
في أبريل/ نيسان، أمرت المحكمة العليا الأميركية إدارة ترامب بـ "تسهيل" عودة أبريغو غارسيا إلى الولايات المتحدة. إضافة إلى إخفاقها حتى الآن في الامتثال لهذا الأمر، فقد ذهبت الإدارة إلى أبعد الحدود لتحدي أمر منفصل من قاضية المحكمة الجزئية الأميركية بولا زينيس بأن تقدم تفاصيل حول ما تفعله بالضبط لتأمين إطلاق سراح أبريغو غارسيا.
يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب، الذين أزعجهم إلحاح القاضية زينيس، لجؤوا بعد ذلك إلى العذر القديم المتمثل في "أسرار الدولة"، والذي سيمكنهم من حجب المعلومات المتعلقة بقضية أبريغو غارسيا من أجل حماية "الأمن القومي" و"سلامة الشعب الأميركي"، على حد تعبير المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي تريشيا ماكلولين.
من جانبه، تعامل أبو كيلة مع وضع أبريغو غارسيا بمزاجية وانتقامية تتناسب مع شخصيته كـ "أروع دكتاتور في العالم"، حيث لجأ إلى منصة إكس للسخرية من الرجل الذي تم اختطافه وسجنه ظلماً. وخلال زيارة في أبريل/ نيسان في المكتب البيضاوي في واشنطن، أوضح أبو كيلة للصحفيين أنه لن يحرك ساكناً نيابة عن أبريغو غارسيا، متسائلاً: "كيف يمكنني تهريب إرهابي إلى الولايات المتحدة؟".
وفي سياق الحديث عن الإرهاب، تجدر الإشارة إلى أنه قبل فترة طويلة من "حالة الطوارئ" الحالية في السلفادور، كان للولايات المتحدة دور فعال في دعم الإرهاب الحكومي اليميني في البلاد، حيث أسفرت الحرب الأهلية من 1979 إلى 1992 عن مقتل أكثر من 75 ألف شخص.
ارتُكبت غالبية الفظائع في زمن الحرب من قبل الجيش السلفادوري المدعوم من الولايات المتحدة وفرق الموت المتحالفة معه، وفر عدد لا يحصى من السلفادوريين شمالاً إلى الولايات المتحدة، حيث تشكلت عصابات مثل MS-13 كوسيلة للدفاع الجماعي عن النفس. وبعد انتهاء الحرب، قامت الولايات المتحدة بترحيل جماعي لأعضاء العصابات إلى دولة مدمرة حديثاً، مما مهد الطريق لمزيد من العنف والهجرة والترحيل، وبلغت ذروته، بطبيعة الحال، في أروع "دكتاتورية في العالم".
كما يقال، لا شيء يساهم في تعزيز السلطة وتقويض الحقوق الفردية بفعالية مثل وجود "عدو إرهابي" قوي ومزعوم، وفي هذه اللحظة، يجد كيلمار أبريغو غارسيا نفسه في موقع من يتحمل هذا العبء، ليس في نظر رئيس واحد فحسب، بل في نظر رئيسين يتمتعان بنزعة سلطوية واضحة. ومع ذلك، فإن أبريغو غارسيا ليس شخصية بارزة في تنظيم مسلح أو متورطاً في عمليات كبرى، بل هو مجرد مواطن عادي تستخدم قضيته لتوجيه رسالة ردعية لكل من يظن أن العدالة والقانون قد يحميانه دوماً.
لقد اقترح ترامب بالفعل إرسال مواطنين أميركيين إلى السلفادور لسجنهم أيضاً، وليذهب أي مظهر من مظاهر الشرعية إلى الجحيم. ولتحقيق هذه الغاية، اقترح الرئيس أن يقوم أبو كيلة ببناء المزيد من السجون، وهو مشروع من المفترض أنه لن يتطلب الكثير من الإقناع.
الآن، بينما تمضي الحكومة الأميركية قدماً في القضاء على حقوق الأجانب والمواطنين القانونيين على حد سواء، فمن الآمن أن نفترض أنه لا أحد في مأمن.